مفهوم الحب

Buddhist Monks Praying

1- الحب أولاً لله:

إن أردنا أن نفهم المحبة على أساسها الحقيقى، الكتابى، فينبغى أن نضع أمامنا هذه الحقيقة وهى: المفروض أن المحبة موجهة أولا وقبل كل شئ إلى الله تبارك إسمه.. وهذا ما يقوله لنا الرب في سفر التثنية (تحب الرب إلهك من كل قلبك. ومن كل نفسك ومن كل قدرتك) (تث 6: 5) فمادامت هذه المحبة من كل القلب، إذن كيف تكون باقى المحبات؟ ما الذي نعطيه وكل القلب لله؟ الحل الوحيد هو:

محبتنا لكل أحد، ولكل شئ، تكون من داخل محبتنا لله. فالقلب كله قد أعطيناه لله. وفى داخل المحبة لله، نحب كل أحد. لذلك قال الرب (والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك) (مت 22: 39) ولماذا قال (مثلها)؟ ذلك لأنها من داخل محبة الله، جزء منها، ولا تفترق عنها.. إذن كل محبة خارج محبة الله، هى محبة خاطئة. ماذا إذن لو كانت هذه المحبة أكثر من محبتنا لله؟! هنا يقول الرب (من أحب أبا أو أما أكثر منى فلا يستحقنى. ومن أحب إبنا أو إبنة أكثر منى فلا يستحقنى) (مت 10: 37).

المحبة التي هى أكثر من محبة الله، هى التي تفضل فيها إنسانا أو شيئا على الله نفسه. ونستطيع أن نقول عنها:  إنها محبة خاطئة تتعارض مع محبة الله، ولكنها تكون في القلب أقوى من المحبة لله.. وهنا لا يكون القلب ملكا لله. وتكون هذه المحبة الخاطئة غريبة عليه، ودخيلة عليه، أخرجت من النطاق الإلهى..!!

***

2- أنواع من المحبة:

توجد محبة طبيعية مثل المحبة بين البنوة والأبوة، لذلك شبه الله محبته لنا بمحبة الأب للأبناء. وتوجد محبة مكتسبة كمحبة الأصدقاء والأقرباء والزملاء، أو المحبة بين خطيب وخطيبته، أو بين زوج وزوجته. والمحبة قد تسلك في درجات..

ربما تبدأ بزمالة، تتدرج إلى تعاون أو صداقة. والزمالة هى علاقة بين إثنين أو أكثر في رابطة بعمل مشترك أو مصلحة مشتركة. وقد تؤدى إلى فكر مشترك.. وربما تؤدى الزمالة إلى صداقة وربما يوجد في العلاقات لون من الإعجاب. والإعجاب غير الحب. فربما تُعجب ببطل من أبطال الرياضة. ولكن ليس معنى هذا أنك تحبه. كذلك قد تعجب بكاتب من الكتاب. يعجبك فكره، دون أن تكون هناك صلة بينك وبين شخصه. وقد تنشأ بينكما رابطة فكرية، ولكن ليست هى الحب. وإن تدرجت إلى المحبة، فإنها تكون محبة لفكره أو لأسلوبه، ولكن ليس لشخصه..

المحبة هى إلتقاء بين قلبين، أو اتحاد قلبين، بمشاعر واحدة، أو عواطف واحدة. ولكن تكون محبة مقدسة، من المفروض أن تكون هذه المشاعر داخل محبة الله، لا تتعارض معها، ولا تزيد عليها.  ومن المشاكل أن توجد محبة من جانب واحد.  لابد أن يكون هناك شئ من الخطأ، أو عدم التوافق. فالمفروض أن المحبة تولد محبة.. ومن شروط المحبة أن تكون عاقلة وحكيمة وروحية، لأن هناك أنواعا من المحبة قد تسبب ضررا والمحبة الحقيقية ينبغى أن تكون محبة طاهرة. وهنا نفرق بين المحبة والشهوة وأتذكر أننى قلت مرة في التمييز بينهما:

المحبة تريد دائما أن تعطى. والشهوة تريد أن تأخذ. والشهوة التي تريد دائما أن تأخذ، وتتصف دائما بالأنانية. وقد تضيع الطرف الآخر الذي تدعى أنها تحبه. وقد تحبسه داخلها، وتحد حريته في الاتصال بالآخرين وقد تتحول أحيانا إلى غيرة مدمرة..!! إنها في الواقع ليست محبة حقيقية. فالمحبة الحقيقية تتصف بالعطاء والبذل. وقد تصل إلى التضحية بالذات..

balloon

فانظر إلى نفسك، في علاقتك مع الجنس الآخر، أهى علاقة حب أم شهوة؟

الشاب الذي (يحب) فتاة، فيضيع سمعتها، أو يفقدها عفتها: هل تسمى هذا حبا أم شهوة؟! لو كان يحبها حقا، لكان يحرص عليها. يحرص على سمعتها، كما يحرص على سمعة أخته. ويحرص على بتوليتها. ويحرص على مشاعرها، فلا يشغلها به، ويعلقها بشخصه، وقد يتركها بعد ذلك حيرى، لا تجد طريقها في الحياة، أو تجده مظلما أمامها أنسطيع أن نسمى هذا حبا. قد يسميه البعض مجرد تسلية في حياة الشباب!!

ولكن ما هو ثمن هذه التسلية من الناحية الروحية، ومن الناحية الاجتماعية.. هذه التسلية التي تشغل الفكر، ومن تضيع المستقبل! وقد تفقد الشاب والشابة نجاحهما في الدراسة أو تفوقهما. وليس في هذا أى حب لأحد منهما. وما معنى هذه التسلية التي تفقد فيها العفة والسمعة؟ وتفقد فيها روحيات الاثنين أيضا. الحب الحقيقى لابد أن يرتبط بنقاوة القلب. والحب بين الشابين لا يجوز أن يلغى محبتهما لله.

فقد قال الرب إن أحب أحدا أكثر منه، فلا يستحقنى (مت 10: 37) فهل يجوز لشاب أن يحب فتاة أكثر من الله؟! وهل يجوز لشابه أن تحب فتى أكثر من الله؟! وهل يجوز أن تدخل في هذه المحبة مشاعر تتعارض مع نقاوة القلب التي بدونها لا يعاين أحد الرب؟! الذى يحبك حقا، لا يمكن أن يُفقِدَك روحياتك.

الذى يحبك حقا، لا يغتصب لنفسه حبك نحو الله، ولا يقلل من مقداره، ولا يهز داخل قلبك محبتك نحو الله.. ولا يتركك في صراع بين محبتين.. محبة روحية، ومحبة جسدية، أو محبة نحو الله، ومحبة نحو إنسان..

المحبة ليست متعة على حساب الغير! بل هى إنكار للذات، وبذل للذات، في محبة الغير. كما فعل يوناثان من أجل صديقة داود. وتعرض لغضب أبيه في دفاعه عنه. وأعظم مثل للحب هو ذبيحة الصليب لأجلنا، التي قيل فيها (هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد) (يو 3: 16).

إذن ماذا عن الحب الذي يقود إلى الزواج. المهم في ذلك: ما هو الضمان أنه يقود إلى الزواج؟ وما هى حدود هذا الحب، أو ماهى حدود العلاقة التي يسمونها حبا يقود إلى زواج؟ هل هو حب يشترط أن يكون بين خطبين؟ أم هو حب بدون أية رابطة شرعية؟! وما مصيره؟ وما مدى الحرص الذي يكون حافظا له من الإنحراف.

والمحبة الحقيقية هى محبة دائمة. أى أنها تستمر، لا تسقط أبدا (1كو 13: 8). وإذا كان إثنان يحبان بعضهما البعض محبة قوية، فإنهما يريدان ليس فقط أن تدوم هذه المحبة بينهما طول عمرهما على الأرض، بل هما يريدان أن تستمر هذه المحبة بينهما في الأبدية، فيوجدان معا في العالم الآخر. ولا يتوفر لهما ذلك، إلا لو كانت محبتهما طاهرة، بحيث يذهبان معا إلى الملكوت، في النعيم الأبدى.. لكن لو ضاع أحدهما في الطريق، فلن يوجدا معا في الملكوت. لابد إذن أن يسند بعضهما البعض في الطريق الروحى. لنفرض أنهما عاشا معا في خطية!! وتاب أحدهما، ولم يتب الآخر.. إذن سوف يفترقان بعد الموت: أحدهما إلى الفردوس، والآخر إلى الجحيم. ولن يلتقيا في الحياة الأبدية.. ولا تكون محبتهما دائمة. فالمحبة الدائمة هى المحبة الروحية.

عن كتاب “عشرة مفاهيم”- قداسة البابا شنودة الثالث